بيت الحرفيين




في سوق الحرفيين بمدينة بريدة، ينبض بيت الحرفيين بروح الإبداع والتراث، حيث يمتزج الماضي بالحاضر في مشهدٍ فريد يجسد الهوية السعودية الأصيلة، والحِرَف اليدوية فيه لا تقتصر على كونها إرثًا ماضيًا، بل تتحول إلى مشروعٍ مستدام، يُعيد صياغتها بأسلوبٍ عصري، ليحافظ على أصالتها ويمنحها أبعادًا جديدة من الجمال والابتكار. يعد بيت الحرفيين منارةً للحرف التقليدية، إذ يوفر بيئةً مثالية لدعم وتمكين 120 من الحرفيين والهواة، ويمنحهم التدريب اللازم لتطوير مهاراتهم، ويساعدهم على تقديم منتجاتٍ ذات جودة عالية مستوحاة من التراث السعودي، لتتحول هذه المنتجات إلى عنصرٍ اقتصادي مزدهر، يفتح آفاقًا واسعة لمستقبلٍ أكثر إشراقًا لهذه الفنون. وعند انطلاقته في مرحلته الأولى، تبنى بيت الحرفيين برنامجًا متكاملًا شمل ثلاث حِرَفٍ رئيسة: الصناعات الخشبية، حيث تُحاكى تقنيات الأجداد في النجارة والنقش، وصناعة السُّبَح من نَوى الزيتون، والتي تجمع بين البساطة والفخامة، والتطريز، كفنٍّ يروي قصةً للألوان والخيوط عبَرت عليها أيدي الأجيال. ولما حققه هذا المشروع من نجاحاتٍ متتالية، توسعت دائرة الحِرَف التي يقدمها، لتشمل مرحلة ثانية وبرنامجًا تدريبيًّا جديدًا يضمُّ نقوش الأبواب والنوافذ النجدية، التي تعكس جماليات تزيين الأبواب في الفن النجدي، وحرفة الخُوص المعتمدة على تشابُك سَعَف النخيل، وحرفة التطريز التراثي، الذي يعيد إحياء الأنماط السعودية العريقة على أنواعٍ متعددة من الأقمشة. وتمرُّ رحلة الإنتاج في بيت الحرفيين بمراحل مدروسة، تبدأ من العصف الذهني وتحديد نوع المنتَج، مرورًا بالتخطيط للتصاميم الأولية، ثم التلوين الرقمي للمنتج، حتى تصل إلى التنفيذ تحت إشراف مدربين مختصين، ويتم استخدام أجود أنواع الخامات لصناعة منتجاتٍ تحمل بصمة الأصالة والجودة العالية، مما يعزز قيمتها المادية والمعنوية. ويقدم بيت الحرفيين مجموعةً متنوعة من المنتجات، أبرزها في حرفة الخوص: فواصل الكتب، والمحافظ والحقائب متنوعة الأحجام، ومنظِّمات الأقلام والأدوات المكتبية، وفي حرفة نقوش الأبواب والنوافذ النجدية تتجلى المباخر المستوحاة من باب الدِّرعية، وصناديق العود، والصواني التراثية، وميداليات المفاتيح، واللوحات الفنية التي تعكس تراث المنطقة، وفي مجال التطريز التراثي تتجسد هذه الحرفة في محافظ البطاقات، وحقائب الأجهزة اللوحية، وحقائب الكتف بمختلف الخامات والأحجام. وكما يتميز هذا السوق بمنتجاته المتقنة، فإنه يتميز أيضًا بتصميمه المعماري المستوحى من الطراز العربي الأصيل، حيث تتناغم التفاصيل التراثية مع الملامح العصرية، ليصبح المكان تجربةً بصرية وثقافية متكاملة لجميع الزوار. ولا يقتصر دور بيت الحرفيين على الإنتاج فقط، بل يسعى إلى تعزيز مفهوم الحِرَف اليدوية كمصدر دخلٍ مستدام، من خلال ورش العمل والمنافذ التسويقية، فهو مشروع يهدف إلى إحياء الحرف التقليدية، وإعادة تقديمها بروحٍ جديدة، تعكس أصالة الماضي، وتواكب تطلعات العصر الحاضر.

